"التزييف العميق: ثورة الذكاء الاصطناعي بين الفوائد والمخاطر"


تقنية التزييف العميق أو كما تُعرف باسم "Deepfake"، سنتعرف عليها بشكل أكثر تفصيلًا وبرؤية بسيطة تشرح خطورة هذه التقنيات التي أصبحت أكثر انتشارًا ورواجًا مع ازدياد وتوسع ثورة الذكاء الاصطناعي والأدوات الذكية الأخرى..

هل شاهدت سابقًا مقطع فيديو يظهر ليونيل ميسي وهو ينطق الشهادة، وكان عنوان الفيديو: "شاهد قبل الحذف، اللاعب الشهير ليونيل ميسي يعلن إسلامه"؟ هذا مثال بسيط للتزييف العميق المتعلق باستنساخ الوجه من خلال العديد من المدخلات المتعلقة بالشخصية، ويتم لاحقًا التلاعب بمخرجات هذه العملية..

تعتمد مصداقية التزييف وفاعليته على ضخ عدد كبير من الصور والمواد المتعلقة بالشخص المراد نسخ وجهه، وبنفس الكيفية يتم ضخ صور ومواد للشخص الآخر الذي سيتم استبدال وجهه. هذا يُعرف بتبديل الوجه، ناهيك عن إمكانية القيام بذلك من الصفر باستخدام الشخص نفسه بدون أي تبديل..

المقصود هنا أنه يمكن استخدام مدخلات لوجه شخص ما، وتكون المخرجات لنفس الشخص ولكن بصيغة أخرى. يتم هذا عن طريق تدريب الأدوات على فحص خوارزميات الوجه وفك تشفير هذه الصور وإخراجها بالشكل الذي تطلبه أو بما يقاربه..

التزييف لا يقتصر على الصور فقط، ففي الوقت الحالي، أدوات تزييف الصوت متاحة بكثرة وتعمل بشكل أكثر تفوقًا من التزييف العميق للصور، لأن تزييف الصور يمكن اكتشافه من قبل الأشخاص العاديين إذا كانت عمليات الضخ قليلة أو الموارد المستخدمة ضعيفة. وهذا هو الرائج..

التزييف العميق للصور يحتاج إلى موارد قوية مثل الحواسيب، المعالجات، وبطاقات الرسومات لتحمل الضغط الناتج عن معالجة المدخلات وإخراجها بالشكل المطلوب. هذه الموارد ليست متاحة للجميع، لذلك يمكن اكتشاف الصور المزيفة من قبل أي شخص يمتلك قدرًا بسيطًا من الذكاء والنباهة..

أما تزييف الصوت، فهو أكثر صعوبة على الأشخاص العاديين في اكتشافه، حيث يحتاج إلى موارد قوية وخبرة في تحليل موجات الصوت باستخدام برامج متخصصة في هندسة الصوت، ما يجعل كشفه أمرًا معقدًا..

صديقي، تزييف الصور يشبه تزييف مقاطع الفيديو، حيث إن الفيديو عبارة عن مئات أو آلاف الصور الثابتة التي يتم تحريكها لتكوين المقطع. كلما زادت مدة الفيديو، زاد عدد الصور المدخلة..

انتشرت أدوات التزييف العميق بشكل واسع بعد أن كانت نادرة في الماضي ومتاحة فقط على الإنترنت المظلم، وذلك بسبب ندرة هذه الخوارزميات حينها. ولكن اليوم، وبفضل التقدم التكنولوجي، يتم إنتاج أدوات ذكية يوميًا تقريبًا، مصممة لغرض معين..

إذًا، أصبح الوصول إلى هذه الأدوات أسهل من السابق، وتزداد خطورتها خصوصًا على الشخصيات السياسية البارزة والعنصر النسائي. إذ إن هذه التقنية قد تُستخدم للإضرار بهذه الفئات، وهناك العديد من الحالات التي تضرر فيها سياسيون نتيجة استخدام التزييف العميق، ما أدى إلى إقصائهم من مناصبهم وزعزعة الثقة بينهم وبين الجماهير..

كذلك، ساهم التزييف العميق في حدوث حالات طلاق وفقدان الثقة بين الأصدقاء والمعارف، وخاصة العنصر النسائي الذي تعرض لضرر كبير، حتى إن بعض الضحايا تعرضوا لمواقف مخلة بالشرف، ما أدى إلى اكتئابهم أو انتحارهم..

يمكن كشف الصور المزيفة من خلال التركيز على تفاصيل العين، ومراقبة حركة الفم، وتحريك الرأس والأطراف بشكل عام. كل هذه الخصائص قد تعطي مؤشرات على أن الصور مزيفة وتم صناعتها بواسطة الذكاء الاصطناعي..

كما ذكرنا سابقًا، أدوات الذكاء الاصطناعي أصبحت متقدمة إلى درجة أنها تنتج صورًا ومقاطع فيديو مقنعة يصعب على الفرد اكتشافها باستخدام الخصائص التقليدية مثل رمشة العين وحركة الأطراف، إذ تم التغلب على هذه التفاصيل في التقنيات الحديثة. لذا، يجب وضع حدود لضمان الوصول إلى الحقيقة..

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا إنشاء أدوات قادرة على كشف التزييف العميق من خلال الهندسة العكسية للصور والمقاطع. وأصبح الخيار الأكثر موثوقية هو إدخال هذه المواد في نماذج تقوم بفحص الصور وتحديد ما إذا كانت قد تم إنتاجها بواسطة الذكاء الاصطناعي أو البشر..

رغم أن هذه الأدوات المضادة تعتمد هي الأخرى على الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تفوقت على البشر في اكتشاف التزييف باستخدام التفاصيل التي ذكرناها سابقًا، حيث أصبحت أكثر موثوقية من الماضي..

قد تُستخدم هذه التقنيات أيضًا في نشر الأخبار المزيفة عبر وسائل الإعلام، من خلال إنشاء صور وأصوات مزيفة لتعزيز أو هدم أطراف أخرى، أو حتى لكسب تعاطف الجمهور، وهذا ما يحدث بالفعل في الحروب الأخيرة..

على الرغم من الجانب المظلم المعروف عن التزييف العميق، إلا أنه يمكن أن يكون مفيدًا في بعض المجالات، مثل مساعدة الأشخاص الذين فقدوا أصواتهم في استعادة نسخ رقمية منها، أو ترميم مقاطع الفيديو القديمة وإعادة إحياء ملامح وجوه الشخصيات فيها..

كما يمكن الاستفادة من التزييف العميق في إنشاء نماذج افتراضية تقدم خدمات دون تعب أو ملل كما هو الحال مع البشر، وهناك الكثير من المجالات التي قد يُظهر فيها التزييف العميق جانبًا مشرقًا..

بشكل عام، التقنية وجدت لحل المشكلات، وكل تقنية لديها جانبها المظلم والجانب الإيجابي الذي قد يساعد في إنجاز المهام التي قد يصعب على البشر تنفيذها بسبب الوقت أو الجهد. لكن كما في الحياة الواقعية، هناك مجرمون يستخدمون هذه التقنيات لإثارة الخوف والترهيب والإضرار بالآخرين، بدلًا من استخدامه فيما وُجدت من أجله..

- محمود حسين 
- مدون تقني 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال