"أنظمة الملاحة العالمية ومن يحدد موقعك"


قد لا تعرف هذه المعلومة من قبل، لكن كل هاتف ذكي في جيبك، وكل سيارة حديثة تتحرك في شوارعنا، وكل طائرة تحلّق فوق رؤوسنا، تعتمد على شيء واحد مشترك: أنظمة الملاحة بالأقمار الصناعية. وما لا يدركه معظم الناس هو أن هناك عدة أنظمة مختلفة حول العالم، وأن كل نظام منها تملكه دولة أو تحالف دول، ولكلٍ منها أهدافه، وقوته، وعيوبه أيضًا..

الأمر لا يقتصر على اسم واحد مثل GPS - Global Positioning System. صحيح أن أغلبنا يعرف هذا المصطلح ويستخدمه، لكنه في الحقيقة مجرد واحد من بين ستة أنظمة رئيسية تُعرف باسم GNSS، وهي اختصار لـ "أنظمة الملاحة العالمية عبر الأقمار الصناعية". وكل واحد منها يحمل اسمًا ومصدرًا مختلفًا، نذكرها كالآتي:

● نظام GPS التابع للولايات المتحدة الأمريكية.
● نظام GLONASS التابع لروسيا، ويُعد من الأنظمة الشهيرة والأكثر استخدامًا هناك.
● نظام BeiDou التابع للصين.
● نظام Galileo التابع للاتحاد الأوروبي.
● نظام QZSS التابع لليابان.
● وأخيرًا، نظام IRNSS التابع للهند.

الآن، دعونا نلقي نظرة على كل نظام منها بشكل منفصل، لنفهم خصائصه وقدراته، ولماذا لا يُنصح بالاعتماد على نظام واحد فقط دون معرفة البقية..

نبدأ بـ GPS، النظام الأمريكي الشهير، الموجود في كل هاتف ذكي، وكل تطبيق خرائط، وكل ساعة ذكية تقريبًا. يُعد الأقدم والأقوى من حيث الجاهزية العسكرية واللوجستية. تعتمد عليه الولايات المتحدة في توجيه صواريخها وطائراتها بدون طيار، بينما نستخدمه نحن للوصول إلى أقرب شارع أو مطعم أو حتى مسجد. لكن، هل تعلم أن الولايات المتحدة يمكنها قطع الوصول إليه وقت الحرب؟ وقد فعلت ذلك سابقًا، ولا تزال تملك هذا الخيار باعتبارها صاحبة النظام..

ثم لدينا GLONASS، النسخة الروسية الشهيرة. ليس بدقة GPS، لكنه يُعتبر بديلًا استراتيجيًا ومتاحًا للعالم. تزداد أهميته لأن روسيا لا تثق مطلقًا في GPS، وتستخدم نظامها الخاص لحماية نفسها من الحظر أو التلاعب، نظرًا إلى التوترات السياسية المستمرة..

ننتقل إلى BeiDou، النظام الصيني الذي تطور بهدوء كما هو معتاد من التقنيات الصينية. تمتلك الصين أكثر من 45 قمرًا اصطناعيًا تغطي الكرة الأرضية بالكامل. من أبرز ميزاته أنه يسمح بإرسال رسائل قصيرة مباشرة عبر الأقمار الصناعية، حتى دون وجود شبكة، وهي ميزة قد تكون منقذة في حالات الطوارئ، مثل التواجد في الصحراء أو أماكن نائية لا توجد بها بنية تحتية. لكن هذا يعتمد على دعم الهاتف لهذه الميزة..

أما Galileo الأوروبي، فهو نظام دقيق جدًا ومخصص للاستخدام المدني فقط، ويصل نطاق دقته إلى 20 سنتيمترًا. لا يُستخدم في الحروب العسكرية، لكنه مثالي لمن يريد دقة عالية في تحديد المواقع..

نظام QZSS الياباني، هو نظام إقليمي صُمم لتحسين أداء GPS داخل اليابان، خاصة في المناطق الحضرية الكثيفة والمناطق الجبلية. أما نظام IRNSS الهندي، فهو بدوره نظام إقليمي يهدف إلى تحقيق الاستقلال التكنولوجي في مجال الملاحة الفضائية داخل المنطقة، دون الاعتماد على الأنظمة الغربية أو الشرقية..

من كل هذه التفاصيل، نستنتج أن لكل نظام خصائصه، والهدف المشترك بينها جميعًا هو تحقيق الاستقلالية، والحد من تحكم الدول الكبرى بمصير الدول الأخرى، خصوصًا في أوقات النزاعات العسكرية..

ورغم أن جميع هذه الأنظمة تؤدي نفس الوظيفة الأساسية، إلا أن بعضها مثل BeiDou وGPS وGLONASS يتمتع بقدرات عسكرية عالية تساعد في تحديد الأهداف والتوجيه العسكري بدقة. في حين أن أخرى، مثل Galileo وGPS وBeiDou، يمكن استخدامها من قبل الأفراد المدنيين لتحديد المواقع واكتشاف الأماكن بدقة أيضًا..

ومع ذلك، تبقى الحقيقة الأساسية واضحة: الاعتماد على نظام واحد فقط خطأ كبير، لأنك بذلك تضع مصيرك في يد دولة واحدة قد تمنعك من الوصول إليه في أي لحظة..

في النهاية، هذه المعلومات ليست مجرد رفاهية تقنية، بل جزء من وعينا الرقمي. فكما نحمي حساباتنا وكلمات مرورنا، علينا أن نعرف من الذي يحدد موقعنا في هذا العالم، وكيف، ولماذا. ابقَ واعيًا، وابقَ في أمان، عزيزي القارئ..

- محمود حسين 
- مدون تقني 

المصادر [1] - [2] - [3] - [4]

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال