منصات التواصل الاجتماعي وُجدت لتكون وسيلة للتواصل بين الأفراد والتعلّم ومشاركة المعرفة، وهذا هو الغرض الأساسي من وجودها. لكن هناك من يستخدم هذه المنصات في أمور خارج نطاق القانون، لخلط الأمور وتمويه أثر الجرائم التي يرتكبها، تحت غطاء بريء توفّره هذه المنصات. وفي هذا المقال نسلّط الضوء على منصة "تيك توك"..
منصة تيك توك تعتبر منصة مميزة وشهيرة، تضم ملايين المستخدمين، وقد استفدنا جميعًا منها في الإطار المتعارف عليه، بغضّ النظر عن المحتوى الهابط الذي انتشر بشكل واسع على مختلف المنصات، وخاصة تيك توك، وذلك بسبب ظروف مناسبة ودعم كبير من "أشخاص مجهولين". وهنا نسلّط الضوء على هؤلاء الأشخاص..
الأشخاص المجهولون هم أنفسهم الذين ذكرناهم في بداية المقال، إذ يتسترون بغطاء منصات التواصل الاجتماعي لتمويه جرائمهم والتهرب من الجهات الرقابية والحكومية. نحن نتحدث هنا بشكل واضح عن عصابات غسل الأموال. منذ ظهور فكرة الربح من الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، بدأت هذه العصابات تنشط بكثرة في أي منصة تضم جمهورًا ومستخدمين نشطين بشكل مستمر..
جميع الظروف هذه متوفرة في منصة "تيك توك". حيث نجد أشخاصًا يقدمون محتوى تافهًا، ويتلقون دعمًا ماليًا ضخمًا وغير متوقع، قد تصل قيمة الهدية الواحدة أحيانًا إلى 500 دولار. لكن هناك أمورًا كثيرة تحدث في الخفاء، وهي ما يمكن اعتباره المرحلة الابتدائية لعملية غسل الأموال..
هذه العمليات تقف خلفها شبكة ضخمة تستخدم حسابات وهمية، وتظهر شخصًا واحدًا فقط في الواجهة وهو غالبًا صانع المحتوى التافه بينما الشبكة نفسها تتكون من شخص يملك أموالًا غير شرعية، وأفراد يعملون تحت إدارته، إضافة إلى الشخص الظاهر في الواجهة..
الهدف هو تحويل مليون دولار غير شرعية إلى 700 ألف أو حتى 500 ألف دولار شرعية، وهذا لا يهم، لأن هذه الأموال في الأصل غير قانونية. وبالطبع، إذا تم إيداع المبلغ كاملًا في البنك، فسيتم فورًا التواصل معك وطلب معرفة مصدر هذه الأموال من الجهات الرقابية والمصارف، مما يؤدي إلى القبض عليك إذا لم يكن لديك نشاط أو شركات أو مصادر قانونية تبررها..
لكن عبر تيك توك يمكن لهذه الشبكات أن تقلّل قيمة الأموال مقابل جعلها "شرعية". هذه الشبكات الإجرامية معقّدة وصعبة الكشف، لكن يتم القبض على كثير منها عبر التتبع والمراقبة. على سبيل المثال، الشخص الذي يملك مليون دولار يكوّن مجموعة تعمل لصالحه، وظيفتها إرسال هدايا ضخمة لصانع محتوى معيّن تم الاتفاق معه مسبقًا. يتم منح أفراد المجموعة الأموال الحقيقية، ثم يقومون بشراء الهدايا عبر حسابات وهمية، وشحنها من خلال تيك توك إلى صانع المحتوى..
عادةً تكون حساباتهم مجهولة تمامًا، بأسماء وهمية وصور غير حقيقية، مثل "الصقر الجارح" أو ما شابه. بعد الشحن، يدخلون إلى البثوث ويرسلون الهدايا. بطبيعة الحال، تيك توك يأخذ عمولة، فتقل القيمة من مليون دولار إلى نحو 900 ألف دولار، إضافة إلى نسبة يقتطعها أفراد المجموعة كتعويض عن المخاطرة..
هذه الـ 900 ألف دولار تُوزع على عدة صناع محتوى آخرين (مثلاً 5 أشخاص) لزيادة صعوبة تتبع الأموال. بعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية وهي تبييض الأموال فعليًا، من خلال إنشاء نشاط تجاري وهمي، وبيع سلع أو خدمات غير موجودة على الورق فقط، مع إصدار فواتير مزورة. الأشخاص المشترون هنا هم أنفسهم صناع المحتوى الذين تم الاتفاق معهم مسبقًا، وهكذا تعود الأموال إلى المالك الأصلي بصورة شرعية..
بذلك، يمكن للشخص إيداع المبلغ في البنك بشكل قانوني، وإظهار فواتير تثبت أنه حصل عليه من متجره الإلكتروني أو أي نشاط تجاري آخر. وهكذا تكتمل عملية غسل الأموال بطريقة معقدة وبعيدة عن الشبهات..
هذا المثال الذي عرضناه يُعتبر بسيطًا أمام ما تواجهه الجهات الرقابية من أساليب أكثر تعقيدًا، وبعضها يتورط فيه أفراد لهم حصانة أو صلة بجهات سيادية، ما يجعل كشفها شبه مستحيل وصعب جداً..
وكما رأيت عزيزي القارئ، بدأنا الحديث عن الهدف النبيل لهذه المنصات وهو التواصل ومشاركة المعرفة، لكننا اكتشفنا أن هناك من يستغلها كبيئة خصبة لجرائم مثل إعادة تدوير الأموال، أو كما يُسمّيها معظم الناس: "تبييض الأموال"..
- محمود حسين
- مدون تقني
التسميات
مقالات تقنية